السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ثناء الجنان واللسان على الملك الديَّان
سبحان الله من أتته السماء والأرض طائعة ، وتطامنت الجبال لعظمته خاشعة ، ووكفت العيون عند ذكره دامعة ، ترنم الرعد بتسبيحه ، لمعَ البرق بتمجيده ، شدا الطير بذكره ، هدل الحمام بشكره ، شكره نعمة تستوجب الشكر ، ومدحه فضيلة للمادح تستحق العرفان ، والثناء عليه منّة منه يختص بها من يشاء .
هجدنا ونام الركب والليل مسرفٌ .... وقمت أسح الدمع للخالق الباري
عبادته شرف ، والذل له عزة ، والافتقار إليه غنى ، والتمسكن له قوة ، محاربته خذلان والكفر به لعنة ، والتنكر لجميله عذاب .
فتح ومنح ، طحى ودحى ( أي : بسط و مد ) ، أغطش وأغشى ، رفع ووضع ، وصل وقطع ، أطعم وسقى ، كفى وكسى ، يبتلي ويستدرج ، ويبرم ويعد ، ويأخذ وينتقم ، يصب النعيم على من عصاه ، ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر ، ويسلط البلاء على من أطاعه ليرفع منزلة الصالحين .
ينشئ حدائق غنّاء ؛ غزيرة الماء ؛ وارفة الأنداء ، طيبة الظل ، ندية الطل ( حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ) [ يونس : 24 ]
كم أضحك من سن ، وأبكى من عين ، خلق الضدين ، وأوجد النقيضين ، وجعلَ المتشابهين والمختلفين : ليلاً ونهاراً ، ونوراً وظلمة ، حراً وبرداً ، رخاءً وشدة ، جنة وناراً ، هدىً وضلالاً ، إيماناً وكفراً ، صلاحاً وفساداً ، فيا الله ما أحكمه وأعلمه وما أحسن صنعه وأجل لطفه .
قطع الألسنة الفصيحة بسيف الموت ، بتر الرؤوس العنيدة بصارم الفناء ، فرَجُه فجأة ، وأخذه بغتة ، ومنعه وعطاؤه حكمة ، وقضاؤه نافذ ، وأمره غالب ، بيده الأمر وإليه المعاد ولا حول ولا قوة إلّا بالله (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) [ الأعراف : 54 ] .
أحْلَى اللحظات وأجل الساعات إذا ذكرته ، أشرف الرتب وأفضل القُرَب إذا سبَّحته .
أرفع المقامات وأعظم الدرجات إذا شكرته ، أنكد الأزمات وغاية الهوان إذا عصيته ، أشقى الليالي والأيام إذا حاربته .
أرغم بحجته أنوف الضلاَّل ، وقرع بجلال وعظه قلوب اللاًّهين ، وزلزل بوعيده أفئدة الجبابرة ، وأتحف بوعده نفوس الطائعين .
انظر إلى الشمس كيف أبدع سناها ، وسيّرها إلى منتهاها ، وبلّغها مداها ، وزين القمر وحسّن طلعته ، وبث نوره ، وحسّن زينته ، وبث النجوم ما بين منظوم ومنثور ( هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ) [ لقمان : 11] .